ماذا تريد إسرائيل وماذا يريد الفلسطينيون؟

د.ابراهيم بدران
د.ابراهيم بدران
بعد 7 أشهر من الحرب التدميرية الهمجية على غزة وتدمير وسائل الحياة، سبقها حصار شامل استمر 17 سنة، وبعد اعتقال 8500 وقتل 650 فلسطينيا في الضفة الغربية خلال 7 أشهر، وبعد نشر أكثر من 600 مستعمرة في الأراضي الفلسطينية، وبعد تعاظم الشعور بالمأساة الإنسانية للفلسطينيين في غزة وطنيا وعربيا ودوليا، يتبادر سؤال قد يبدو ساذجًا: ماذا تريد إسرائيل؟اضافة اعلان
لا نقصد هنا أهداف الحرب التي وضعها نتنياهو وفشل في تحقيقها، ولخصها بالأسرى واجتثات حماس والسيطرة الكاملة على غزة، وإنما المقصود مجمل أفعال إسرائيل وعملياتها بتفاصيلها ابتداءً من احتلال الجزء الأكبر من فلسطين عام 1948 مرورا بجميع الفظائع التي ارتكبتها، وانتهاء بمحاولات تهويد القدس والهجوم على رفح، ماذا تريد إسرائيل؟ هل تريد السلام؟ هل تريد التعايش مع الفلسطينيين؟ هل تريد الهدوء والأمن؟ هل تريد حسن الجوار مع الدول المجاورة؟ هل تريد أن تندمج في المنطقة؟ هل تريد الاقتناع بما يخاطبها به القانون الدولي والإنساني؟ هل تريد أن تلتزم بقرارات الشرعية الدولية؟ هل تريد أن تنسحب من أراض عربية احتلتها، من لبنان مزارع شبعا، ومن سورية الجولان، ومن 80 % من أراضي فلسطين؟، وسيطرت على مياهها وأموالها وعلاقاتها؟ هل تريد أن تبدأ صفحة جديدة مثل بقية دول العالم تقوم على المساواة والعدل والإنسانية؟ هل التزمت باتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين واتفاقية باريس وغيرها؟
جميع هذه الأسئلة إجابتها كلمة واحدة «لا» و «لا» كبيرة تمامًا.
وبالمقابل ماذا يريد الفلسطينيون؟؟ الجواب المباشر البسيط: يريدون دولة مستقلة على
22 % من  فلسطين التاريخية وطنهم وعاصمتها القدس الشرقية. ولكن إسرائيل ترفض ذلك بكل الوسائل والإجراءات التي تقوم بها دون توقف.
ومع هذا في حربه النفسية استطاع الإعلام الإسرائيلي أن يجعل البعض من الفلسطينيين والعرب يثير السؤال: إلى متى ستستمر المقاومة المسلّحة؟ ويقولون هل نخسر أكثر مما خسرنا حتى اليوم؟ 35 ألف شهيد، هل نُقدم أكثر مما قدمنا؟
هذا السؤال ليس جديدا وإنما هو سؤال تاريخي على مستوى العالم: «متى تتوقف المقاومة الوطنية في أي بلد عن أعمالها وترمي سلاحها، وتقبل بما يريده العدو المحتل؟» هل هناك حد أعلى للضحايا لا يجوز تجاوزه؟ ومن يقرر ذلك؟  العلمُ لا يقدم إجابة، ولكن تجارب الأمم في إطار من الوطنية الصادقة والعقلانية هي التي تنير الطريق وتعطي الإجابة.
في الحرب الأميركية الاستعمارية على فيتنام خسر الفيتناميون 2.5 مليون فيتنامي رجلا وامرأة وطفلا. هل يستحق الوطن الفيتنامي التضحية بـ 2.5 مليون فيتنامي أبرياء حتى يتحرر؟ وفي حرب التحرير الجزائرية فقد الجزائريون مليون جزائري، هل تستحق المسألة هذا العدد؟ ثورة الماوماو قتلت خلالها بريطانيا11 ألف مواطن من كينيا، وألمانيا قتلت 75 ألفا من ناميبيا وأميركا قتلت في العراق مليون إنسان، وإسرائيل قتلت حتى اليوم أكثر من 150 ألف فلسطيني. لا أحد يدافع عن استمرار القتل والتدمير، ولكن للأسف لا يوجد تحرير بدون ثمن باهظ من دماء أبرياء المواطنين، فالمحتل المستعمر وحشيّ بطبعه، لا يشبع ولا يقنع بما كسب خلال فترة الاحتلال السابقة، ولكنه يريد استمرار الاحتلال واستمرار التنكيل بالسكان الأصليين إلى حد الإبادة.
ماذا يعني قانون يهودية الدولة؟ ألا يعني أن كل من هو ليس يهوديًا فهو ليس مواطنًا.. وهذا ما تفعله إسرائيل ضد 7 ملاييين فلسطيني. هل هناك مبادرة واحدة تدل على نوايا حسنة لإسرائيل؟. ماذا يعني اعتداء المستوطنين بحماية العسكر والشرطة الإسرائيلية على قوافل الإغاثة التي يرسلها الأردن إلى الأبرياء في غزة؟ ماذا تعني مصادرة أراضي الفلسطينيين في كل بقعة من بقاع الضفة الغربية؟ وهل توقف شيء من كل هذا ولو لشهر واحد؟
جميع الكتابات والتصريحات والإجراءات المعلنة والخفية التي تقوم بها إسرائيل تؤكد حقيقة دامغة وهي «أن الاحتلال الصهيوني يريد القضاء على الفلسطينيين والسيطرة الكلية على كامل التراب الفسطيني وتهديد كل تفاصيل الوجود الفلسطيني في كامل الأراضي الفلسطينية». وهذا يعني ِأن المقاومة يجب أن تستمر ويجب أن تعمل ولكن على مسارب متعددة، منها المقاومة المسلّحة ومنها الدبلوماسية، ومنها إقناع العالم بعدالة القضية، ومنها، وقبل كل شيء انتهاء الانقسام، بعد أن وصلت محاولات الصلح والتوفيق إلى موسكو وبكين. وعلى الفصائل الفلسطينية ألا تقع في مصيدة التأزيم الإسرائيلي. فإسرائيل تريد تصدير جميع الفلسطينيين إلى خارج فلسطين أي تهجيرهم بالكامل حتى تصبح القضية الفلسطينية قضية عربية، لا دخل لإسرائيل فيها. وعلى الفصائل الفلسطينية ألا يفسد بينها ألم القتل والتدمير؛ فحرب التحرير لا بديل عنها ولا حل سواها، رغم آلامها والخسائر الجسيمة التي ترافقها.. ومن يتأمل إصرار إسرائيل على القتل والتدمير بهذه الوحشية يدرك أن واحدا من الأهداف هي انقسام المجتمع الفلسطيني وابتعاده عن المقاومة بسبب الكلفة العالية للتحرير. وهنا يكسب المحتل المستعمر المعركة.
وفي النهاية تريد إسرائيل تحقيق مشروعها الاستعماري العنصري بإسرائيل على كل التراب الفلسطيني وبدون فلسطينيين أي تهجيرهم أو قتلهم، ويريد الفلسطينيون تحرير وطنهم وإقامة دولة مستقلة على 22 % من مساحة وطنهم التاريخية.
والسؤال من يتنازل: المحتل المستعمر؟ أم أصحاب الأرض الوطن؟